ملاك وأمل
في لججٍ من الأنتظار والأمل وفي صمتٍ رهيب وقلق والكل يدعو الله خرج صوت يصرخ ويبكي
شيئاً فشيئاً أرتفعت الأصوات قائلة الحمدُ لله الحمدُ لله و دَوَت أصوات الفرح بالأغاريد
والكل راح يهنئ رجلاً كانت الدموع قد أندَت لحيته البيضاء وهو ينظر الي الجميع قائلاً لله الحمد علي ما أعطي وعلي ما أخذ
و أُلقي بين راحتيه ملاك رائع الجمال وكأن الدنيا كلها وقفت عندما نظر الي عينيه فتساقطت دمعاته الحانية علي جبين ملاكه الجميل وراح يمد يده ليزيل الدموع عن وجه أبنه الرضيع
و إذا بزوجته تساَئله في كل لهفةٍ ما بكَ يا عمر ؟ ما بكَ يا زوجي الحبيب ؟
ماذا دهاكَ يا رجل ؟! أفي يومٍ مثلَ هذا اليوم تكونُ الدموع ؟!!!
ما كان عليه إلا أن ينظر لوجهها المُتعب الذي ملئَته البرائة ويَتبسم قائلاً : ماذا تُسمي ولدَنا يا أمَ صلاح؟
وهي تَتَبسمُ قائلة : حبيبي إن خير الأسماء عبد الله فماذا تري ؟
قال عمر : حقا حبيبتي انه خير الأسماء ونناديه بالمهدي لعل الله يهدي به ويهديه
في لجة ظلام الليل بزغ نور ونداء ( الصلاةُ خيراً من النومِ) نعم هو نداء الحق نعم هو نداء الفجر
حقا الله أكبر
قالها عمر وهو ينادي هيا يا بُني أسرع هيا يا صلاح الدين فنداء الله قد حان أسرع معي في الخطي لعل الله يتقبل منا
كانت نظرات فاطمة تسبق خطاهم وشيئاً كان قد أهمها وهي لا تعرف لماذا تساقطت دموعها لكنها راحت تدعي لهما بالقبول
وإذا بدمعاتها تساقطت علي وجه ملاكها الرضيع وكان نائما فأيقظته وراح ينظر لها والي أباه فقبلهُ أباهُ ثم ذهب لقضاء فريضة الله
وما ذالت نظرات المهدي وأمه مُتجهه لعمر وصلاح حتي أُغلق الباب
.
.
.
تَمُر الساعات ولم يعد عمر ولم يعد صلاح حتي أوشكت الشمس من ضُحَاها
فأذا بصلاح يعود وقد ملئت وجهه دمعات مختلطة بنور وبشر وراح ينادي:
أماه أبشري فقد لحق أبي بجدي في دار الشهداء
صَرخت فاطمة ماذا بكَ يا ولدي؟
أين عمر؟
أين حبيبي ؟
أين أباك يا ولدي؟
انت تمزح ؟ قل انك تمزح لا تمزح هكذا
ولكن دمعات صلاح كانت خير رداً لسؤالها
وبصوتٍ مشفقٍ قال:
أمي حبيبتي ( إنا لله وإنا إليه راجعون)
نَظرت اليه وأمسكت بالمهدي وبصوتها الذى مَلئته الحسرات وخالطه أنين الدموع تهمس
( حسبنا الله ونعم الوكيل)
تَمرُ الأيام ومن بعدها أيام وشهور, ويمضي صلاح علي درب أبيه, وفي كل ليل يعود حاملا الي أمه بشريات بالنصر, وكان المهدي يتلهف لسماع صوت اخيه العذب عندما يروي لهما ما حدث له من يومه وكيف كان يواجه الطغاة ولم يخف وكيف كانو يخافون من حجارته التي ارعبتهم بالرغم من أمتلاكهم لكل أنواع الأسلحة وكان ذلك يبثُ في نفس المهدي نور وأمل بأن النصرُ لا مَحالة قادم
ثم يعود صلاح كما كان يعود كل ليلة فرحا مُبَشِراً وهو ينادي أماه قد نلت من كتائب الطغاة اليوم نيلا عظيما وهي يبتهل وجهها أحقا يا ولدي أحقا نلت لي ولأباك بالنصر
نعم أمي مَكني الله منهم اليوم
ويخفق قلب المهدي بالأمل ويجري إلي صلاح ويرتمي بين أحضانه وكأنه يَتَلمس بعض النور من قلب أخيه
وإذا بالبابِ قد تَهشمَ وتَجري فاطمة صارخة ولدي ولدي
ويركلها الطاغي بقدمه وتسقط علي الأرض
المهدي يجري نحوها أماه أماه
ويَرتمي علي جسدها وينظر لصلاح وهو بين قيود الطغاة وهم يجرونه ويَتلمس أنفاس أمه
ماذا جري؟!
ماذا؟!
أُمي لما جسدك هكذا بارد؟!
ما بكي ... ردي؟
لما لا تردين ؟
أنا المهدي حبيبك ولدك
أهٍ يا أمي
أه
أه كيف الحياة من بعدك؟
أين من كانوا يُهنئُون يوم مولدي؟
أين من كانوا كل يوم عندنا؟
أين ؟ ... اين؟
لكن لا مجيب
وفي كل ليلٍ يجلس المهدي بجوار تلك الشرفة التي كان ينتظر فيها عودة أخوه
وينظر إلي الطريق متسائلاً : هل سيعود ؟
وبعد مرور الليل يذهب ليبحث عن أخوه ويعود بلا جدوي
وذات ليلة وهو جالس يبكي سمع صوتا بداخله كأنه أباه يذكره بالله
نعم
نعم ... هذا صوت ابى
حقا الله أكبر
حقاً الصلاةُ خير من الدنيا وما فيها
أنه نداء الفجر
قام المهدي من غفوته وتوضئ وفي طريقه للمسجد لمح خيالا قادما وسط ظلمات الليل الرهيب راح يدقق النظر اليه فإذا به صلاح
نعم هو صلاح لكنه ليس كصلاح الذي يعرفه فهو محطم وكَسير
أرتمي بين ذراعيه وبكي وقال أخي لقد عُدت من جديد لقد عُدت يا أخي
بصوت ملئته الحسرة قال نعم عُدتُ ولكن هل عَادَ كل من كان معي في الأسر؟
يا مهدي اخوك عاد ولكن وحيداً
فينظر المهدي بوجه أخيه لست وحدك فما زال لك أخ وقبل كل شئٍ لنا الله
نعم يا مهدي الله هو من كان لنا وهو من يبقي لنا
إلي اين أنت ذاهب يا مهدي
إلي صلاة الفجر يا صلاح ألم تسمع ندائها؟
فتبسم صلاح وملأ وجهه البشر قائلا هداك الله أخي قالها أبي من قبل وانت رضيع فأنت اليوم تذكرني بالصلاة
هيا إلي المسجد
ودخلا المسجد وقد تعانقت ياداهما وهما يقولان
(اللهم أفتح لنا أبواب رحمتك)
م00ن